فصل: الآية الثانية والثلاثون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية التاسعة والعشرون:

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)}.
أي فرض القتال عليهم من جملة ما امتحنوا به والمراد بالقتال قتال الكفار، ويستدل بالآية على افتراضه وهو الأولى.
وقيل: الجهاد تطوع والمراد منها الصحابة فقط، وبه قال الثوري والأوزاعي.
والجمهور على أنه فرض على الكفاية.
وقيل: فرض عين إن دخلوا بلادنا وفرض كفاية إن كانوا في بلادهم.
والكره بالضم: المشقة وبالفتح ما أكرهت عليه. ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين.
وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال، ومفارقة الأهل والوطن والتعرض لذهاب النفس، وفي التعبير بالمصدر- وهو كره- مبالغة، ويحتمل أن يكون بمعنى المكروه كما في قولهم: الدرهم ضرب الأمير.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال: الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد إن استعين به أعان وإن استغيث به أغاث وإن استنفر نفر، وإن استغني عنه قعد.
وقد ورد في وجوب الجهاد وفضله أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها.

.الآية الثلاثون:

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217)}.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ} بدل اشتمال، قاله سيبويه ووجهه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال.
قال الزجاج: المعنى يسألونك عن القتال في الشهر الحرام.
{قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} أي أمر مستنكر.
والشهر الحرام المراد به الجنس، وقد كانت العرب لا تسفك فيه دما ولا تغير على عدوّ، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب: ثلاثة أشهر سرد وواحد فرد.
{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أعظم إثما وأشد ذنبا من القتال في الشهر الحرام، كذا قال المبرد وغيره.
ومعنى الآية- على ما ذهب إليه الجمهور- أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل اللّه لمن أراد الإسلام ومن الكفر باللّه ومن الصدّ عن المسجد الحرام، ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرما عند اللّه!! والسبب يشهد لهذا المعنى، ويفيد أنه المراد فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} المراد بالفتنة هنا الكفر أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وقيل: المراد بالفتنة الإخراج لأهل الحرم منه، وقيل: المراد بالفتنة هنا فتنتهم عن دينهم حتى يهلكوا: أي فتنة المستضعفين من المؤمنين، أو نفس الفتنة التي الكفار عليها. وهذا أرجح من الوجهين الأوّلين لأن الكفر والإخراج سبق ذكرهما وإنهما- مع الصدّ- أكبر عند اللّه من القتال في الشهر الحرام.
ثم قيل: إن الآية محكمة ولا يجوز الغزو في الشهر الحرام إلا بطريق الدفع.
وعن ابن عباس وسفيان الثوري أنها منسوخة بآية السيف وبه قال الجمهور رحمهم اللّه تعالى.

.الآية الحادية والثلاثون:

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}.
السائلون هم المؤمنون.
والخمر: ماء العنب الذي غلى واشتد وقذف بالزبد، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه، كما ذهب إليه الجمهور.
وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة: ما أسكر كثيرة من غير خمر العنب فهو حلال: أي ما دون المسكر منه.
وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ثلثاه بالطبخ، والخلاف في ذلك مشهور.
وقد أطلت الكلام على الخمر في شرحي لبلوغ المرام وأطال الكلام فيه أيضا الشوكاني في شرحه للمنتقى وكذا السيد العلامة محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير في سبل السلام.
والمراد بالميسر في الآية: قمار العرب بالأزلام.
قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم: كل شيء فيه قمار أو نرد أو شطرنج أو غيرهما فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق.
وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار. فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه وكل ما قومر به فهو ميسر.
{قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ} يعني في الخمر والميسر. فإثم الخمر: أي إثم تعاطيها ينشأ من فساد عقل مستعملها فيصدر عنه ما يصدر عن فساد العقل من المخاصمة والمشاتمة، وقول الفحش والزور وتعطيل الصلوات، وسائر ما يجب عليه، وأما إثم الميسر: أي إثم تعاطيه فما ينشأ عن ذلك من الفقر وذهاب المال في غير طائل والعداوة وإيحاش الصدور.
{وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ} أما منافع الخمر فربح التجارة فيها، وقيل: ما يصدر عنها من الطرب والنشاط وقوة القلب وثبات الجنان وإصلاح المعدة وقوّة الباه وقد أشار شعراء العرب إلى شيء من ذلك وكذا شعراء الفرس بما لا يتسع المقام لبسطه.
ومنافع الميسر: مصير الشيء إلى الإنسان بغير تعب ولا كد وما يحصل من السرور والأريحية عند أن يصير له منها سهم صالح. وسهام الميسر أحد عشر ذكرها في فتح القدير.
{وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} أخبر سبحانه بأن الخمر والميسر إن كان فيهما نفع فالإثم الذي يلحق متعاطيها أكثر من هذا النفع لأنه لا خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر، فإنه ينشأ عنه من الشرور ما لا يأتي عليه الحصر، وقد ذكر شطرا منها الحافظ ابن القيم في كتابه حادي الأرواح وذكرته في كتابي الملخص منه المسمى بمثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام.
وكذلك لا خير في الميسر يساوي ما فيه من المخاطرة بالمال والتعرض للفقر واستجلاب العداوة المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم.
وقرأ حمزة والكسائي بالمثلثة والباقون بالباء الموحدة وأبيّ أقرب.
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي- وصححه- والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- وأيضا في المختارة عن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالمال والعقل فنزلت {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} يعني هذه الآية فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في سورة النساء {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى} [النساء: 43] فكان ينادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، إذا قام إلى الصلاة، أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قال عمر: انتهينا انتهينا!.
{وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} العفو: ما سهل وتيسر ولم يشق على القلب.
والمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم وقيل: هو ما فضل عن نفقة العيال، وقال جمهور العلماء: هو نفقات التطوع، وقيل: إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة المفروضة، وقيل: هي محكمة. وفي المال حق سوى الزكاة أيضا.

.الآية الثانية والثلاثون:

{فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}.
هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} [الأنعام: 152] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا} [النساء: 10] وقد ضاق على الأولياء الأمر فنزلت هذه الآية: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220].
المراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم، فإن ذلك أصح من مجانبتهم.
وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك.
{وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ} اختلف في تفسير المخالطة: فقال أبو عبيدة مخالطة اليتامى: أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله، وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان فدلت الآية على الرخصة وهي ناسخة لما قبلها.
وقيل: المراد بالمخالطة المعاشرة للأيتام، وقيل: المراد بها المصاهرة لهم.
والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل يشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية.
وقوله: {فَإِخْوانُكُمْ} خبر لمبتدأ محذوف: أي فهم إخوانكم في الدين.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ} لأموالهم بمخالطته {مِنَ الْمُصْلِحِ} لها: تحذير للأولياء، أي لا يخفى على اللّه من ذلك شيء فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه ومن أفسد فعلى نفسه ففيه وعد ووعيد إلا أن في تقديم المفسد مزيد تهديد وتوكيد للوعيد.

.الآية الثالثة والثلاثون:

{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}.
في هذه الآية النهي عن نكاح المشركات وتزوجهن: قيل: المراد بالمشركات الوثنيات.
وقيل: إنها تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون، {وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية.
فقالت طائفة: إن اللّه حرم نكاح المشركات فيها والكتابيات من الجملة، ثم جاءت آية المائدة فخصصت الكتابيات من هذا العموم، وهذا محكي عن ابن عباس ومالك وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
وذهبت طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة، وأنه يحرم نكاح الكتابيات والمشركات- وهذا أحد قولي الشافعي- وبه قال جماعة من أهل العلم.
ويجاب عن قولهم إن هذه الآية ناسخة لآية المائدة بأن سورة البقرة من أوّل ما نزل وسورة المائدة من آخر ما نزل والقول الأوّل هو الراجح.
وقد قال به- مع من تقدم-: عثمان بن عفان وطلحة وجابر وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وطاووس وعكرمة والشعبي والضحاك، كما حكاه النحاس والقرطبي، وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين، وزاد عمر بن الخطاب وقال: لم يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وقال بعض أهل العلم: إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى: {ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]. وقال: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1].
وعلى فرض أن لفظ المشركين يعمّ فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا.
{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} أي ولرقيقة مؤمنة.
وقيل المراد بالأمة: الحرة لأن الناس كلهم عبيد اللّه وإماؤه. والأول أولى لما سيأتي ولأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ، فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرّة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرّة المؤمنة على الحرّة المشركة بالأولى.
أخرج الواحدي وابن عساكر من طريق السّدّي عن أبي مالك عن ابن عباس قال:
نزلت في عبد اللّه بن رواحة وكانت له أمة سوداء. الحديث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها حذيفة.
{وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} أي المشركة: من كونها ذات جمال ومال وشرف. وهذه الجملة حالية.
{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} أي لا تزوجوهم بالمؤمنات حتى يؤمنوا.
قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. وأجمع القراء على ضم التاء من تنكحوا.
{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} الكلام فيه كالكلام في قوله: {ولأمة} والترجيح كالترجيح.

.الآية الرابعة والثلاثون:

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}.
هو الحيض، وهو مصدر. وقيل: الاسم.
وقيل: المحيض: عبارة عن الزمان والمكان وهو مجاز فيهما. وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال: حاض السيل وفاض ومنه الحوض لأن الماء يحوض إليه أي يسيل.
{قُلْ هُوَ أَذىً} أي شيء يتأذى به أي برائحته. والأذى هو كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} [البقرة: 264]. ومنه قوله تعالى: {وَدَعْ أَذاهُمْ} [الأحزاب: 48].
{فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ} أي فاجتنبوهنّ في زمان الحيض، إن حمل الحيض على المصدر، أو في محل الحيض إن حمل على الاسم.
والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك.
وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك شيئا.
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين.
{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} والطهر: انقطاع الحيض، والتطهر: الاغتسال.
وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء.
وقال محمد بن كعب القرضي ويحيى بن بكير: إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل.
وقال مجاهد وعكرمة: إن انقطع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد.
قال الشوكاني في فتح القدير والأولى أن يقال إن اللّه سبحانه جعل للحلّ غايتين- كما تقتضيه القراءتان- إحداهما انقطاع الدم، والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها.
وقد دلّ على أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك: {فَإِذا تَطَهَّرْنَ} فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم. وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة العمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين. انتهى.
{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أي فجامعوهن. وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعون في المأتي الذي أباحه اللّه وهو القبل. قيل: {مِنْ حَيْثُ} بمعنى في حيث كما في قوله تعالى: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]. وقوله: {ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40] أي في الأرض وقيل: إن المعنى من الوجه الذي أذن اللّه لكم فيه: أي من غير صوم وإحرام واعتكاف. وقيل: إن المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض، وقيل: من قبل الإحلال لا من قبل الزنا.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222) قيل: المراد التوابون عن الذنوب، والمتطهرون من الجنابة والأحداث، وقيل: التوابون من إتيانهن في الحيض والأول أظهر.